جديد التجديد

20 مايو 2009

الإعجاز العلمي في المضمضة والاستنشاق والاستنثار

يوما بعد يوم نكتشف سراً كان خفياً، وإعجازاً علمياً جديداً، ففي كل جزء من أجزاء تعاليم ديننا الحنيف نجد أن الأسرار المدخرة فيها أضعاف ما كنا نتوقع، وفي هذا مصداقا لقول الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53]، وفي هذا البحث إن شاء الله تعالى سنتناول جزءًا من أجزاء الوضوء وليس الوضوء كاملاً، وهما سنتان من سنن الوضوء على الراجح من أقوال العلماء، وهي سنة المضمضة والاستنشاق، حيث يكمن فيهما سرٌ ما كان لرجل أمي عاش قبل أربعة عشر قرناً أن يعرف فائدتهما لولا ما أوحاه الله إليه من عظيم حكمته، وأسرار ملكوته.

وستكون محاور هذا البحث على النحو الآتي:

- النصوص الواردة في الموضوع.

- المضمضة والاستنشاق والاستنثار في اللغة.

- المضمضة والاستنشاق والاستنثار في المصطلح الشرعي.

- آثار المضمضة والاستنشاق والاستنثار من منظور علمي.

- وجه الإعجاز .

الأحاديث الواردة في الموضوع:

ورد في القرآن الأمر بالوضوء إجمالاً كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6] فلم يرد في الآية الأمر بالمضمضة والاستنشاق؛ لأن القرآن مجمل وجاء في السنة ما يفصله، ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44].

وقد حفلت السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بالكثير من الأحاديث ما يوضح المضمضة والاستنشاق، وجاء ذلك من خلال بيان وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو من خلال الثواب المترتب من جرائهما، أو من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في أحايين كثيرة لاسيما في الوضوء أو بعد الطعام أو شرب اللبن، وفيما يلي طائفة من الأحاديث الشريفة:

- عن ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح رأسه ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ(1).

- وعن سويد بن النعمان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي إلا بسويق فأكلنا, فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا(2).

- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال: "إن له دسماً"(3).

- وعن عبد الله الصنايجي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه"(4).

- وعن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا, ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"(5).

- عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر"(6).

- المضمضة والاستنشاق والاستنثار في اللغة

أصل المضمضة في اللغة التحريك، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس، ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه(7).

أما الاستنشاق فقد قال ابن سيده: استنشق الماء في أنفه صبه في أنفه، وقال في الغريين: يستنشق أي يبلغ الماء خياشيمه، والمتوضىء يستنشق إذا جذب الماء بريح أنفه ثم يستنثره، وفي العباب: استنشقت الماء وغيره إذا أدخلته في الأنف، واستنشقت الريح إذا شممتها، والتركيب يدل على نشوب شيء في شيء، والمنشق الأنف، ونشقت منه ريحا طيبة – بالكسر- أي شممت، وهذه ريح مكروهة النشق أي الشم(8).

وأما الاستنثار فهو مأخوذ من النثرة وهو طرف الأنف(9)، قال ابن سيده يقال: استنثر إذا استنشق الماء في أنفه وصبه منه، وفي جامع القزاز: نثرت الشيء أنثره وأنثره نثرا إذا بددته فأنت ناثر، والشيء منثور(10).

- المضمضة والاستنشاق والاستنثار في المصطلح الشرعي

وأما معناه من جهة الشرع فإن المضمضة هي أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه(11)، أما إدخال الإصبع ودلك الأسنان بها فليس من المضمضة في شيء فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل(12).

وحسب المتمضمض أخذ الماء من اليد بفيه وتحريكه متمضمضا به وطرحه عنه، فإن فعل ذلك ثلاثا فقد بلغ غاية الكمال(13).

وهي سنة في الوضوء والغسل عند الشافعية والمالكية ، ويرى الحنابلة وجوب المضمضة في الوضوء، أما الحنفية فيرون وجوبها في الغسل فقط، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن يتمضمض بعد الطعام وخاصة إذا كان دسماً- كما مر في الأحاديث - ويتم بالمضمضة نظافة الفم وإزالة بقايا الطعام منه، وأما الغرغرة وهي المبالغة بالمضمضة (وهي مندوبة أيضاً) فتنظف الحلق والبلعوم(14).

أما الاستنشاق فلا يكاد يختلف كثيراً عن معناه اللغوي لأنه إدخال الماء في الأنف، وهو سنة مؤكدة في الوضوء والغسل عند جمهور الفقهاء عدا الحنابلة الذين قالوا بوجوبه فيهما(15).

وأما الاستنثار فهو دفع الماء من الأنف أو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، والاستنشاق أخذه بريح الأنف وهما كلمتان مرويتان في الآثار المرفوعة وغيرها متداخلتان في المعنى وأهل العلم يعبرون بالواحدة عن الأخرى(16)، وقد اتفقت الروايات على تقديم المضمضة والاستنشاق والاستنثار على غسل الوجه في الوضوء، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض احتياطا للعبادة(17).

- آثار المضمضة والاستنشاق والاستنثار من منظور علمي:

أثبت العلم الحديث بعد الفحص الميكروسكوبي للمزرعة الميكروبية التي أجريت للمنتظمين في الوضوء ولغير المنتظمين: أن الذين يتوضئون باستمرار قد ظهر الأنف عند غالبيتهم نظيفا طاهرا خاليا من الميكروبات، ولذلك جاءت المزارع الميكروبية التي أجريت لهم خالية تماما من أي نوع من الميكروبات، في حين أعطت أنوف من لا يتوضئون مزارع ميكروبية ذات أنواع متعددة وبكميات كبيرة من الميكروبات الكروية العنقودية الشديدة العدوى والكروية السبحية السريعة الانتشار والميكروبات العضوية التي تسبب العديد من الأمراض، وقد ثبت أن التسمم الذاتي يحدث من جراء نمو الميكروبات الضارة في تجويفي الأنف، ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء ولإحداث الالتهابات والأمراض المتعددة ولاسيما عندما تدخل الدورة الدموية(18).

إن تراكم البقايا الطعامية في الفم يجعلها عرضة للتخمر وتصبح بؤرة مناسبة لتكاثر الجراثيم مما قد يسبب التهابات في اللثة والقلاع ونخر الأسنان وغيرها من التهابات جوف الفم، ومن ثم إلى انتقالها إلى الجهاز الهضمي وما ينتج عنه من اضطرابات هضمية وتعفنات يصدر عنها رائحة الفم الكريهة، ويعمل الاستنشاق والاستنثار كلاهما معاً على التخلص مما تراكم في الأنف من مواد مخاطية، وما التصق بها من غبار وجراثيم مما يؤدي إلى تجديد طبقته المخاطية وتنشيطها لتقوم بوظيفتها الحيوية على أتم وجه(19) .

فقد ثبت أن المضمضة تحفظ الفم والبلعوم من الالتهابات ومن تقيح اللثة، وتقي الأسنان من النخر وذلك بإزالة الفضلات الطعامية التي قد تبقى فيها، فقد ثبت علميا أن 90% من الذين يفقدون أسنانهم لو اهتموا بنظافة الفم لما فقدوا أسنانهم قبل الأوان، وأن المادة الصديدية والعفونة مع اللعاب والطعام تمتصها المعدة وتسري إلى الدم، ومنه إلى جميع الأعضاء وتسبب أمراضا كثيرة، وأن المضمضة تنمي بعض العضلات في الوجه وتجعله مستديرا، وهذا التمرين لم يذكره من أساتذة الرياضة إلا القليل لانصرافهم إلى العضلات الكبيرة في الجسم(20).

كذلك فإن الإفرازات المتراكمة هي دعوة للبكتريا كي تتكاثر وتنمو، لهذا فإن الوضوء بأركانه قد سبق علم البكتريولوجيا الحديثة والعلماء الذين استعانوا بالمجهر على اكتشاف البكتريا والفطريات التي تهاجم الجلد الذي لا يعتني صاحبه بنظافته التي تتمثل في الوضوء.

قال الدكتور أحمد شوقي إبراهيم عضو الجمعية الطبية الملكية بلندن واستشاري الأمراض الباطنية والقلب: توصل العلماء إلى أن سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يؤدي إلى انطلاق أيونات سالبة ويقلل الايونات الموجبة مما يؤدي إلى استرخاء الأعصاب والعضلات ويتخلص الجسم من ارتفاع ضغط الدم والآلام العضلية وحالات القلق والأرق، ويؤكد ذلك أحد العلماء الأمريكيين في قوله : إن للماء قوة سحرية بل إن رذاذ الماء على الوجه واليدين - يقصد الوضوء - هو أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر(21).

وجه الإعجاز

ما تقدم هو نتائج بحوث متواصلة تم فيها استخدام أحدث وسائل البحث من أجهزة تعقيم ووسائل تغذية للبكتريا والميكروبات وهو ما يسمى بالإستنبات ليتم من خلالها دراسة أعداد البكتريا المتكونة في حيز صغير، وكذلك أجهزة الميكروسكوب المجهرية وغيرها من وسائل مخبرية حديثة لمعرفة حقائق تلك الكائنات الدقيقة التي ما كان لأحد قبل ألف وأربعمائة عام أن يتخيل بأن هناك شيء اسمه كائنات دقيقة فضلا عن تصور إمكانية رؤيتها، بل فضلا عن إمكانية دراسة كيفية معالجتها والتخلص منها.

وإذا ما علمنا أن أكثر الأمراض انتشاراً بين الناس كالزكام والأنفلونزا والتهاب القصبات إنما تنتقل إلى الإنسان عن طريق الرذاذ الذي يخرج من المريض بواسطة الهواء الذي يمر عبر الأنف أدركنا أهمية الدعوة النبوية للالتزام بعمل الاستنشاق والاستنثار مع كل وضوء والذي يكرره المسلم مرات ومرات في اليوم لأداء صلواته(22).

إن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور بخصوص الوضوء عموما والمضمضة والاستنشاق والاستنثار خصوصا سواءً من خلال أقواله وتطبيقه لها في وضوءه أو بعد أكله أو شربه أو قيامة من نومه أو بالحض على فعلها، وحرصه على أن يتأسى به أصحابه من بعده، إن كل ذلك ليؤكد لنا أن تلك السنن التي حافظ عليها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأمرنا بفعلها إنما هي من أمر خالق عليم بأحوال خلقه وما ينفعهم في دينهم ودنياهم رحيم بهم ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك : 14]، وأن ما أخبرنا به صلى الله عليه وآله وسلم هو أمر حق من الحق على لسان صادق مصدوق لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، اختاره الله العظيم ليكون رسولا مبشرا ونذيرا ومعلما ورفيقا بالناس كافة، كافرهم ومؤمنهم قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ : 28]، فهل آن الآوان لأولي الألباب أن يقولوا سمعنا وأطعنا؟


0 التعليقات:

إرسال تعليق